الجنون والصغر والجهل الناشئ عن عدم بلوغ الحجة والخطأ والنسيان والإكراه والتأويل. وهذه الموانع كأحكام عامة لا يعرف عن علماء السلف اختلاف في اعتبارها، ونرى أن الخلاف في عدم اعتبارها أصلاً ليس سائغاً.
التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وهي التي لا يتحقق الحكم بالتكفير على المعين في حال وجودها فيه. وموانع التكفير ثلاثة أقسام: 1- موانع الفاعل: وهي ما يعرض له بما يجعله غير مؤاخذ بأفعاله وأقواله شرعا، وهو ما يسمى بعوارض الأهلية كالجهل، والتأويل أو وجود الشبهة، والإكراه، والخطإ. 2- موانع في الفعل المكفر: وذلك لكون الفعل غير صريح في الكفر، أو لكون الدليل الشرعي غير قطعي الدلالة على كونه كفرا. 3- موانع الثبوت: وهي التي تمنع ثبوت الفعل المكفر على المعين لكون أحد الشهود ليس عدلا أو صغيرا لا يعتد بشهادته.
ويكون الإثبات إما بالإقرار أو البيِّنَة المعتبرة شرعاً، أما مجرّد الظن أو الشك فلا.
للتكفير شروطٌ لا بدّ مِن توافرها حتى يمكن الحكم بالكفر على الشخص الذي يصدر منه القول أو الفعل أو الاعتقاد المكفّر، ويمكن إرجاع هذه الشروط إلى ثلاثة أنواع:
1. ثبوت أنّ هذا القول أو الفعل أو الاعتقاد أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة على وجهٍ لا شُبهةَ فيه:
فإذا كان الفعل أو القول المكفّر فيه اشتباه أو تفصيل فلا يصح التكفير به، ومثال ذلك: التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله، ومعلومٌ أن الحكم بغير ما أنزل الله له حالات وصور مختلفة في الحكم، وكذلك التكفير بمطلق موالاة الكفار التي تتفاوت تفاوتاً عظيماً، بل قد ورد في القرآن ما يدل على إباحة بعض الصور كما في قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}[آل عمران: 24]. قال الطبري رحمه الله: "إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مُسلم بفعل"
2. أن يكون اللفظُ المكفّر صريحَ الدّلالة:
فإن كان اللفظ يحتمل التكفير ويحتمل غيره فلا يجوز حمله على التكفير احتياطاً.
قال ابن نجيم رحمه الله: "وفي الخلاصة وغيرها: إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير، ووجه واحد يمنع منه، فعلى المفتي أن يميل إلى ذلك الوجه تحسيناً للظن بالمسلم، زاد في البزازية: إلا إذا صرح بإرادةٍ موجبةٍ للكفر فلا ينفعه التأويل حينئذٍ ... والذي تحرر أنه لا يُفتى بتكفير مسلمٍ أمكن حمل كلامه على محمل حسن، أو كان في كفره اختلاف"
1. أن يكون مَن صدر عنه الكفرُ مكلّفاً:
فلا يصح تكفير الصبي والمجنون، ولا مَن زال عقله بإغماء أو نوم أو تخدير أو بنج، لقوله صلى الله عليه وسلم : (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ، أَوْ يُفِيقَ)
2. أن يكون مختاراً عند صدور ما هو مكفر منه:
فلا يجوز تكفير مكرَه على الكفر وقلبُه مطمئن بالإيمان، لقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النحل: 106].
3. أن لا يكون قاصداً للفعل أو القول:
فلا يقع التكفير على المخطئ والناسي والمدهوش، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)
وقوله صلى الله عليه وسلّم : (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) . فهذا الرجل سبق لسانُه بكلمة الكفر دون قصدٍ منه بسبب شدة فرحه، فلم يعتبر كافراً، وانتفى الإثم عنه.
4. العلم بدلالة الألفاظ:
أن يكون المكلف عالماً بدلالة اللفظ الذي صدر منه بأنه كفرٌ أو معصية، فكثيرٌ مِن المسلمين تصدر عنهم أقوال وأفعال مكفّرة، وهم لا يعلمون أنّها مكفّرة أو مخالفة للشريعة، لذلك من الواجب فيمن صدر منه اللفظ أو الفعل الوقوف على حاله، والتأكد منه هل يقصد المعنى المكفّر، ويعلم أنّه يرتكب به المحظور أو أنه جاهلٌ بذلك.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وأما جَحَدَ ذلك جهلًا، أو تأويلًا يُعذر فيه صاحبه فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه وأمر أهله أن يحرقوه ويذْرُوهُ في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله، إذْ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادًا أو تكذيبًا"
ويكون الإثبات إما بالإقرار أو البيِّنَة المعتبرة شرعاً، أما مجرّد الظن أو الشك فلا.