فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية، والمعروفة بـ أم البنين، هي زوجة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأم العباس بن علي (عليه السلام) وأشقائه الثلاثة، وهم عبد الله وجعفر وعثمان. تُعتبر شخصية محورية في تاريخ الإسلام، وخاصة في الأحداث المرتبطة بكربلاء واستشهاد الحسين بن علي (عليه السلام).
أم البنين تُجسد نموذج المرأة المؤمنة الصابرة التي ضحت بكل ما لديها من أجل مبادئ الحق والعدل، ودورها التاريخي يُلهم العديد من المسلمين في تمسكهم بقيم التضحية والإخلاص.
وقامت السيدة أم البنين برعاية سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانتيه وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين (عليهما السلام)، وقد وجدا عندها من العطف والحنان ما عوّضهما من الخسارة الأليمة التي مُنيا بها بفقد أمّها سيدة نساء العالمين فقد توفّيت، وعمرها كعمر الزهور فقد ترك فقدها اللوعة والحزن في نفسيهما.
لقد كانت السيدة أم البنين تكنّ في نفسها من المودّة والحبّ للحسن والحسين (عليهما السلام) ما لا تكّنه لأولادها اللذين كانوا ملء العين في كمالهم وآدابهم.
لقد قدّمت أم البنين أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، على أبنائها في الخدمة والرعاية، ولم يعرف التاريخ أن ضرّة تخلص لأبناء ضرّتها وتقدّمهم على أبنائها سوى هذه السيدة الزكية، فقد كانت ترى ذلك واجباً دينياً لأن الله أمر بمودّتهما في كتابه الكريم، وهما وديعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وريحانتاه، وقد عرفت أم البنين ذلك فوفت بحقّهما وقامت بخدمتهما خير قيام.
قال الإمام الصادق (ع): (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).
إن إحياء ذكرى أم البنين (عليها السلام) وذكرى المعصومين (عليهم السلام) وذويهم ومن إليهم، كالعلماء والصالحين والصالحات، من أهم ما يلزم، وذلك لأجل تنظيم الحياة تنظيماً صحيحاً يوجب سعادة الإنسان في دنياه وآخرته.
فمثلاً في ذكرى أم البنين (سلام الله عليها) تتذكر النساء هذه المرأة الطاهرة، العفيفة الشريفة، الحافظة لنفسها، الذاكرة لله واليوم الآخر، المديرة لبيتها، المراعية لحقوق زوجها، المربية لأولاد صالحين و...
فتتعلم منها وتقتدي بها، فلا يكوننَّ مبعثرات ولا ساقطات ولا مهملات في الحياة الزوجية أو في تربية الأولاد.
وبذلك تسعد المرأة التي تلقت الدروس من مدرسة أم البنين (عليها السلام) واتبعتها، ويسعد بها غيرها من أولادها وذويها، فيكون الإحسان عائداً لنفسها قبل غيرها، قال سبحانه: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها).
ولاشك أن ذكرى أم البنين (عليها السلام) وذكرى العظماء رجالاً أو نساء، موجب للأجر والثواب فقد ورد: (من ورخ مؤمنا فقد أحياه)، فكما أن إحياء الإنسان يوجب الخيرات، كذلك إحياء ذكراه، قال تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
بالإضافة إلى أن ذكرى الأخيار والخيرات تملأ النفس الإنساني بالصحيح النافع والمنهج المسعد، والعكس بالعكس، وعندئذ تعكس النفس التي تلقت الذكرى شيئاً من تلك الأسوة.. إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وهذا تكليف على كل إنسان بقدر وسعه، قال سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها).
وقال الشاعر:
وكل إناء بالذي فيه ينضح
وقد ذكر العلماء بأن حال النفس حال المعدة، فتملأ تارة بالطعام الصحيح وتارة بالفاسد، وملؤها بالصحيح يصلح لها الدين والدنيا، وملؤها بالفاسد يفسد عليها الدين والدنيا.. في الفرد والمجتمع.
فالذهن يجب أن يملأ بالعقيدة، إما الصحيحة وإما الفاسدة، فإذا لم يمتلأ بالعقيدة الصحيحة امتلأ بالباطلة، وهكذا حال العادة صحيحة كانت أو باطلة.
وعلى أي حال فسيرة العظيمات تربي العظيمات، بل وحتى العظماء في الأمور المشتركة كالعبادة والزهد والتقوى، فسيرتهن تربية للرجال والنساء.. والبنين والبنات.. للبشرية جمعاء.
وقال الشاعر الشيخ أحمد الدجيلي:
أم البـــــنـــــين ومـا اسمى مزاياك خـــــلدت بــالصبر والإيمان ذكراك
ابناؤك الغر في يوم الطفوف قضوا وضمخوا فـــي ثراها بالدم الزاكي
لــــــما اتــــى بشر ينعاهم ويندبهم إليك لم تـــــنفجر بــــالدمع عيـناك
وقلت قولــــتك العظمى التي خلدت إلى القيامة باق عــــطرها الـزاكي
أفدي بروحــي وأبنائي الحسين إذا عاش الحسين قـــرير العين مولاك