أبو المطرَّف عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي القرشي (113 - 172 هـ / 731 - 788م) المعروف بلقب صقر قريش وعبد الرحمن الداخل، والمعروف أيضًا في المصادر الأجنبية بلقب عبد الرحمن الأول. أسس عبد الرحمن الدولة الأموية في الأندلس عام 138 هـ، بعد أن فر من الشام إلى الأندلس في رحلة طويلة استمرت ست سنوات، إثر سقوط الدولة الأموية في دمشق عام 132 هـ، وتتبع العباسيين لأمراء بني أمية وتقتيلهم.
دخل الأندلس وهي تتأجج بالنزاعات القبلية والتمردات على الولاة حيث قضى عبد الرحمن في فترة حكمه، التي استمرت 33 عامًا، في إخماد الثورات المتكررة على حكمه في شتى أرجاء الأندلس، تاركًا لخلفائه إمارة استمرت لنحو ثلاثة قرون.
لقد وَصف المُؤرِّخون صقر قريش بالعديد من الصفات الحَسَنة، وأشادوا به في سيرته، وأعماله، فلقَّبه البعض بأبي الملوك، ومن أهمّ صفاته ما يلي:
ذُكِر من صفاته حُسن التوقيع، والعدل، والعلم. قِيل عنه أنّه كان راجح العقل، حازماً، ذا فَهْم ثاقب، ونهضة سريعة، كما أنّه كان شُجاعاً، ومِقداماً. لم يكن المنصب القياديّ لعبدالرحمن الداخل قد أثَّر في أخلاقه الحميدة؛ فلم يُذكَر عنه أيُّ خُلُق ذميم، أو فاحش قَطّ، بل إنّه كان مَوضع مَديح من العلماء؛ لحُسن خُلقه، وعِلمه، وهذا كلُّه نابعٌ من إنسانيّته، ومعدنه الأصيل، بالإضافة إلى أنّه كان يَعِظُ الناس على المنابر، كما أنّه كان مُرهَف الإحساس في الشعر، ومن شعره ذِكر ما يأتي:
يا نخلُ أنتِ غريبةٌ مثلي في الغربِ نائيةٌ عن الأصلِ فابكي، وهل تبكي مكيسة عجماء، لم تُطبَع على خَيل؟ لو أنّها تبكي، إذاً لبكت ماء الفرات ومنبت النـخـلِ لكنّها ذهلـت وأذهـلـنـي بُغضي بني العبّاس عن أهلي
يتميَّز عبدالرحمن الداخل بفِكر عسكريّ دقيق؛ فقد كانت حياته في مجملها مليئة بالحروب، والنِّزاعات منذ أن سَقطَت خلافة الأمويّين، وحتى هروبه إلى الصحراء فارّاً من العبّاسيين، بالإضافة إلى الثورات التي واجهَته عند تأسيس دولته في الأندلس، وحتى وفاته، وقد أظهر الداخل ملامح ذكائه العسكريّ في المُناوَشات، والثورات التي تَعرَّض لها، ومن ملامح فكره العسكريّ ما يأتي:
المُباغتة والمُبادرة: كان صقر قريش (عبدالرحمن الداخل) يُخطِّط بشكل دقيق؛ حتى يصل إلى هدفه، فلا يُتيحُ أيّة فرصة لخَصمه؛ لمُباغتَته، بل يُباغته هو، حيث كان يضع أعداءه في مواقف تُقيِّد حُرّيتهم في اتِّخاذ القرار، أو تنفيذه، كما كان يفرضُ عليهم زمن المعركة.
الاقتصاد في القُوى: مع وجود مجموعة كبيرة من التحدّيات في حياة الداخل، كان لا بُدّ من الاقتصاد في القُوى؛ من أجل استخدامها بأفضل صورة.
المُحافَظة على الأهداف: اهتمَّ عبدالرحمن الداخل بشكل كبير بالمُحافظة على أهدافه، وإعطاء الأهداف المُهمّة الأولويّة في تحقيقها.
تُوفِّي عبدالرحمن الداخل وهو في سِنّ التاسعة والخمسين، في قرطبة، عام 172 للهجرة، ودُفِن فيها، وقد كانت حياة الداخل مُقسَّمة إلى ثلاثة مراحل، وهي: