أركان العقيدة الإسلامية
إن الإنسان بفطرته يشعر بضعف وحاجة دائمة إلى ربه من أجل إعانته وتوفيقه ورعايته وحفظه، ولذا فهو يطلب التعرف إلى ربه، والتعرف إليه بما يحب من أنواع القرب وضروب الطاعات والعبادات.
ومن أجل تحقيق هذا التعرف كان لابد للإنسان من الإيمان.
هذا الأخير القائم على الإيمان بالله وملائكته وكتبه (فقرة أولى) ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الإيمان بالله وبالملائكة وبالكتب
قبل التعرف على مضمون الإيمان بالله وبالملائكة وبالكتب لابد أولا من التعرف على مفهوم الإيمان.
الإيمان لغة: هو التصديق. قال إخوة يوسف {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} .
الإيمان في الشرع: هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
فالإيمان إذن يتضمن القول والعمل، فهو اعتقاد وقول وعمل، اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالقلب واللسان وعمل بالقلب واللسان والجوارح.
بعد أن تعرفنا على مفهوم الإيمان سنتعرف فيما يلي على الإيمان بالله (أولا) وبملائكته (ثانيا) وبكتبه (ثالثا).
أولا: الإيمان بالله
إن المسلك السهل –والسليم في آن واحد- للبحث عن الإيمان بالله تعالى، أي أن وجوده تعالى والتصديق به ربا وإلها، هو مسلك احترام العقل البشري ،ومن تم وجب على الإنسان أن يؤمن بـ:
– وحدانية الله: والتي تعني “تفرده سبحانه وتعالى بالخلق والتدبر والتصرف” وأنه رب كل شيء ولا رب غيره وبعبارة أخرى: هو الإقرار بان الله تعالى هو خالق كل شيء والمدبر، فهو الذي يعطي ويمنع ويميت ويحي وأنه واحد أحد لم يكن له شريك ولا ولد قال تعالى: {لم يلد ولم يولد} .
– اتصافه بصفات الكمال: أي أنه سبحانه وتعالى منزه عن الخلق ولا يشبههم في شيء ودليل ذلك قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وقوله: {لم يكن له كفؤا أحد} .
ثانيا: الإيمان بالملائكة
إن الملائكة هي خلق من مخلوقات الله. باعتبارها مخلوقات نورانية تنتمي إلى عالم الغيب. هذا الأخير الذي هو ضد عالم الشهادة فمن هنا كان من اللازم الإيمان بها حتى يكتمل إيمان المرء نظرا لأن حواس الإنسان هي محصورة الإدراك ومحدودة القوة.
فالفرد عندما يؤمن بأن عليه ملائكة موكلين يراقبون أعماله ويحصونها أينما كان يبتعد عما يغضب الله وتستقيم حياته قال تعالى:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} .
فالإنسان يتحصل معرفة الموجودات سواء في الغيب أو الشهادة بواسطة العقل والحواس.
فكيف ننكر بحقيقة وجود الملائكة ونحن نؤمن بعشرات البلاد ولم نرها، كما نرى إنسانا لم يرى الفيل طول حياته وهو يؤمن بوجود هذا الحيوان الذي لم يره .
– إذن كل هذه اليقينيات كانت عن طريق الأثر أو الخبر هما الدليل العقلي للإيمان بكل الغيوب. وبالتالي فالملائكة هي حقيقة ثابتة لا يقوى عاقل على إبطالها أو نفيها .
ثالثا: الإيمان بالكتب
الركن الثالث من أركان العقيدة هو الإيمان بالكتب وهذا الأخير الذي يعني أن على الإنسان أن يؤمن بأن الله هو منزل هذه الكتب سواء منها تلك المنزلة على الرسول صلى الله عليه وسلم أو الأخرى المنزلة على الرسل السابقين ودليل ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا} .
ويشمل الإيمان بالكتب عدة أمور منها:
– الإيمان الجازم بأن الكتب كلها منزلة من عند الله عز وجل على رسله إلى عباده بالحق المبين والهدي المستبين .
– على اعتقاد بأن كل ما فيها من شرائع هو واجب على الأمم الذين نزلت إليهم هذه الكتب وأنه من الضروري الانقياد لما ورد فيها من أحكام.
– الإيمان بأن جميع الكتب المنزلة يصدق بعضها بعض، كما قال تعالى في الإنجيل:{مصدقا لما بين يديه من التوراة} وقوله في القرآن:{مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} .
– أن نعتقد كذلك أن نسخ القرآن بعض آياته ببعض حق كما قال تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} .
فالحكمة من الإيمان بكتاب الله تعالى هي الاحتكام إليه في كل صغيرة أو كبيرة قال تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم}.
فقد بين الطبري في تفسير للآية الكريمة، أن أحكم يا محمد صلى الله عليه وسلم بينهم بما أنزل إليك من الكتاب ولا تتبع أهواء اليهود الذين احتكموا إليك في قتيلهم وفاجريهم .
فالآية إذن تحذير للرسول صلى الله عليه وسلم من أن يفتنوه أهل الكتاب .
الفقرة الثانية: الإيمان بالرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر
سنتطرق في هذه الفقرة للإيمان بالرسل (أولا) والإيمان باليوم الآخر (ثانيا) وأخيرا الإيمان بالقضاء والقدر (ثالثا).
أولا: الإيمان بالرسل
إن الرسل، المرسلين من عند الله تعالى يفترض علينا الإيمان بهم جميعا ومن ضمنهم محمد صلى الله عليه وسلم، دون تفريق بينهم باعتبار أن هذا الإيمان هو الركن الرابع من أركان العقيدة.
والرسل جمع رسول والرسول “هو من أوحي إليه وأمر بالتبليغ”.
ومعنى الإيمان بالرسل هو التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا يدعوهم إلى عبادته عز وجل وحده لا شريك له مصداقا لقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} وأن يؤمن المرء أيضا بكل نبي ورسول عرف نبوته ورسالته عن طريق الوحي إيمانا مطلقا وأن لا يؤمن برسالة بعض ويكفر برسالة آخر .
قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله} . وأن الله تعالى أرسلهم لهداية الناس فلا تفريق بينهم.
ونؤمن بان محمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم وأن علينا السمع والطاعة . بما جاؤوا به عن ربهم.
اليوم الآخر في تعريفه: يراد به أمران: الأول فناء هذه العوالم كلها وانتهاء هذه الحياة بكاملها.
والثاني: إقبال الحياة الآخرة وابتداؤها فدل لفظ اليوم الآخر على آخر يوم من أيام هذه الحياة وعلى اليوم الأول والأخير من الحياة الثانية إذ هو يوم واحد لا ثاني له فالإيمان باليوم الآخر مقتضى لتصديق بأخبار الله تعالى .
فالإيمان باليوم الآخر يشمل الإيمان بما في يوم القيامة من أحداث البعث والنشور والحساب والميزان والصراط وما قبل القيامة من الموت وسؤال القبر وحياته وبما بعد القيامة من دار القرار والجنة والنار .
قال تعالى في وصف المتقين :{والذين يؤمنون بما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} .
فمجيء هذا اليوم واقع لا محال مصداقا لقوله تعالى: {وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور} .
فالحكمة من هذا اليوم تتمثل في توجيه الإنسان إلى فعل الخير واجتناب الشر، وبذلك يطهر المجتمع من الأدناس والقبائح والفحشاء.
ثالثا: الإيمان بالقدر والقضاء
القدر في اللغة: معناه: التقدير. أما القضاء: فمعناه الحكم أما في الاصطلاح. فالتقدير معناه. التسوية .
فهذا الركن يجعل الفرد المسلم يرضى بما قدره الله، فيؤمن كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي بان الله تعالى أوجد الأشياء حسب علمه وإرادته فبذلك تتربى النفوس على الصبر في البلاء والمصائب وترضى بما قسمه الله تعالى، ويخوض المجتمع غمار الحروب دفاعا عن العقيدة، وحماية الأوطان دون أدنى خوف لأنه يأخذ شجاعته على حمايته هذه من خلال توكله على الله تعالى.