عمود الانكا
تقع إمبراطورية الإنكا في أمريكا الجنوبية، وقد امتدت فترة حكمها من سنة 1438 وحتى 1533 ميلاديًا، وتتمركز تحديدًا في جبال الأنديز، ولم تستمر هذه الإمبراطورية لفترة طويلة، إذ إنه في عام 1533 قتُل أتاهوالبا حاكم الإمبراطورية، وهذا يُعدّ بداية للحكم الإسباني للمنطقة، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى الإمبراطور الذي لقب بهذا الاسم، كما يُشير أيضًا إلى الناس أو الحضارة، وأحيانًا تستخدم كصفة للتعبير عن معتقدات الناس أو القطع الأثرية التي تركوها وراءهم، وقد حققت الإمبراطورية نظامًا فيدراليًا، واستغرق الإسبان 8 سنوات فقط لتدمير الإمبراطورية الأغنى ثقافة في الأمريكيتين.
نشأة حضارة الإنكا
بداية النشأة: أمريكا الجنوبية.
الانتشار: كانت تضم أربع مقاطعات وهم، تشينكايسويو (Chinchasuyu)، وانتيسويو (Antisuyu)، وكونتيسويو (Contisuyu)، وكالاسويو (Collasuyu).
البقعة الجغرافية النهائية: أمريكا الجنوبية.
مراحل نشأتها
بدأت قصة هذه الإمبراطورية في معتقدان لم يعرف بالتحديد أيهما الأصح.
المعتقد الأول أن تيسي أرسل فيراكوتشا من كولينا وأبنائه الأربع وبناته الأربعة لإنشاء قرية، وفي الطريق وَلد سينشي روكا الطفل مانكو كاباك وهو الشخص الذي قادهم إلى وادي كوزكو حيث أسست القرية الجديدة، وأصبح مانكو زعيم القرية وأصبح يعرف باسم مانكو كاباك.
المعتقد الثاني أن إله الشمس أمر إنتي مانكو كاباك وماما أوكلو بالخروج من أعماق بحيرة تيتيكاكا وسافروا عن طريق الكهوف تحت الأرض حتى وصلوا إلى كوزكو حيث أسس سابا إنكا أول سلالة من مملكو كوزكو.
يتم التعرف على هذه الأساطير عن طريق التقليد الشفهي، ويقال أن الإنكا لم يكن لديهم كتابة على الرغم من وجود أدلة على ذلك، لأنه من غير المنصف أن تكون هذه الحضارة قد تطورت دون معرفة أي شكل من أشكال الكتابة.
قد دلت العديد من الأدلة الأثرية أن الإنكا كانت قبيلة غير مهمة حتى وقت سينشي روكا، وهي الشخصية الأولى في أساطير الإنكا التي من الممكن أنها قد كانت في التاريخ.
أهم الجوانب الاقتصادية لحضارة الإنكا
الجانب التجاري
بَنى الإنكا مخططًا واسعًا من الطرق يخدم جميع نواحي الإمبراطورية، وكان يتألف من طريقين شماليين جنوبيين مع العديد من الروابط التي تربط الطرق ببعضها.
بنى الإنكا العديد من الأنفاق الصخرية القصيرة والجسور المعلقة المزينة بالكروم.
استخدمت هذه الأبنية بشكل كبير في الأعمال الحكومية والعسكرية، إذ تم تأليف خدمة الترحيل على شكل حبال معقودة لتنظيم الرسائل بين الدول الأخرى وهذا ساهم بشكل كبير في الفتح الإسباني.
الجانب الزراعي
تبنت الإنكا الزراعة المتدرجة إذ أنهم لم يستخدموا المدرجات لإنتاج الطعام فقط، ولكن كانت التراسات مزروعة بالورود وهو أمر غير عادي في الصحراء.
استزرعت الإنكا حوالي 70 نوعًا من المحاصيل، وقد كانت البطاطا والبطاطا الحلوة والذرة والفلفل الحار والبندورة هي المحاصيل الرئيسية لهذه الحضارة، وقد طوّرت الإنكا العديد من المحاصيل الزراعية التي جعلت أمريكا الجنوبية واحدة من أهم مراكز تنوع المحاصيل في العالم.
زرعت الإنكا المحاصيل الزراعية على شواطئ المحيط الهادئ، وفي أعالي جبال الأنديز وفي غابات الأمازون الماطرة، فقد استفادوا من المناخات الدقيقة التي تستطيع إنتاج مجموعة متنوعة من المحاصل على مدار السنة.
الجانب الصناعي
السيراميك والأشغال المعدنية: دمجت الإنكا بين الخزف والأعمال المعدنية والمنسوجات كون الخزف حرفة ذات منفعة في كل وقت، واستخدمت الإنكا الطبول والآت النفخ من مزامير وأنابيب وأبواق مصنوعة من الصدف والسيراميك.
الذهب: صنعت الإنكا العديد من الأشكال الجميلة من الذهب، وقد كانت المعادن في تلك الفترة قليلة جدًا، إذ إن الإنكا لم يعتبروا أن المعادن الثمينة والقماش الناعم نفس المستوى.
الآلات الموسيقية: اخترعت الإنكا العديد من آلات الريح والقرع، فقد كانت الطبول والمزامير لها شعبية كبيرة بين الناس وكان panpipe هو الأكثر شهرة، وهو عبارة عن مجموعة من الأنابيب كل واحدة على حدة، ومرتبطين ببعضهم البعض في صف واحد وكل أنبوب يصدر صوتًا مختلفًا.
الجانب الفني والأدبي للحضارة
فيما يلي تفصيل لهذا الجانب:
الفنون والعمارة
الفنون: كانت الأشكال الهندسية البسيطة والتشبيهات الحيوانية في السيراميك والمنحوتات الخشبية والأعمال المعدنية جزءًا من الفن الذي تركته حضارة الإنكا، فقد كانت الزخارف خاصة بحضارة الإنكا فقط، ولم تعد أي من هذه الزخارف للحضارات السابقة.
العمارة: أحد أهم فنون الإنكا هي الهندسة المعمارية، والتي يعكسها صناعة الفخار والمنسوجات، واستخدمت المعابد الحجرية لأول مرة بشكل واسع في حضارة الإنكا، إذ إنهم قاموا ببناء مدن كاملة بجدران مستقيمة باستثناء المواقع الدينية، وقد كان يتم نحت الصخور حتى تتناسب مع بعضها البعض عن طريق وضع الصخور فوق بعضها، ونحت الأجزاء غير المرغوبة، وهكذا إلى أن تتماسك الصخور مع بعضها البعض وتصبح كقطعة واحدة.
العلوم
التقويم: اخترعت الإنكا التقويم لأسباب دينية، وقد تم تقسيم التقويم إلى 12 شهر، ثم قُسّم كل شهر إلى ثلاثة أسابيع، وكل أسبوع إلى عشر أيام، كما قاموا باختراع أبراج تسمى صانعي الوقت لتخبرهم بموعد بدء الشهر الجديد، واستخدموا إلى جانب ذلك الشمس لتمييز مرور الوقت.
نظام القياس: صنعت الإنكا الكويبو، وهو عبارة عن خيط رئيسي طوله 61 سم تقريبًا، تم ربطه بالعديد من الخيوط الملونة باستخدام قاعدة من عشرة، وكل سلسلة بها عقدة، وكان لون الخيوط والمسافة بين العقد معلوم عند الإنكا، وكانت هذه المهنة مخصصة لقلة قليلة من الأشخاص فقط.
أهم إنجازات الحضارة الأخرى
حققت الإنكا نجاحًا باهرًا في مجال الطب، إذ إنها استخدمت أوراق الكوكا لتقليل الجوع والألم، كما أنها استخدمت أيضًا لتعطي طاقة إضافية عند القيام ببعض المهام مثل السفر إلى دول أخرى، كما أنهم استخدموا اللحاء المسلوق من شجرة الفلفل لوضعه على الجرح وهو دافئ، واستخدموا الخنازير من أجل الطب وليس فقط للغذاء.
حققت الإنكا تطورًا كبيرًا في نظام الكتابة، وهذا يعدّ أقل شهرة من بين إنجازات الإنكا، على الرغم من أن بعض العلماء اعتقدوا أن الإنكا لم تعرف الكتابة، ولكنها إحدى الجوانب الأساسية للحضارة، إذ إنها تركت ورائها ما يسمى بالكويبو، وهذا يدل على وجود الكتابة في تلك الحضارة.
حققت الإنكا إنجازًا عظيمًا في تخزين الطعام بطريقة آمنة عن طريق تجفيف الطعام بالتجميد، فكان يتم تنشيف الطعام من الماء بأكبر قدر ممكن، ثم كانوا يضعون الطعام في الشمس نهارًا ليجف، ويتركوه في الليل في الهواء حتى يتجمد، وعندما يريدون استخدام الطعام كانوا يضيفون القليل من الماء لاستخدامه.
معلومات أخرى عن حضارة الإنكا
فيما يلي بعض المعلومات الإضافية عن حضارة الإنكا:
أشهر مدن الحضارة
عرفت الإنكا باسم تاوانتينسويو، والتي تعني المقاطعات الأربعة في لغة الكيتشوا، وقد كانت كوسكو عاصمة الإمبراطورية، وهي التقاء للمقاطعات الأربعة وهم، تينكاسويو، وأنتيسويو، وكونتيسويو، وكالاسويو.
نظام الحكم
إن أقوى شخصية في الإمبراطورية هو سابا إنكا الإمبراطور، وقد كان يتم اختيار الحاكم الجديد للإنكا بناءً على العائلة الحاكمة؛ أي أنّ الحكم ملكي، يوبقى مسكن الحاكم القديم مسكنًا للحاكم الجديد، أي أنّ الحكام سيكونون من نفس العائلة، وأحفاد الإنكا هم من حكموا الدولة من بدايتها لنهايتها.
لكل مقاطعة حاكم يشرف على أقسامها ومسؤولينها المحليين، والذين هم مسؤولون عن وديان الأنهار والمدن والمناجم المنتجة زراعيًا، وقد كانت هناك سلاسل قيادية منفصلة لكل مؤسسة عسكرية أو دينية، وكان كل مسؤول محلي مسؤول عن تسوية النزاعات، وتتبع مساهمة العائلة في الخدمة العامة الإلزامية للشعب.
كان نظام الإنكا يتضمّن ترك الحكام المهزومين في مواقعهم كأنهم حكام بالوكالة، ومعاملة الأشخاص الخاضعين لهم بشكل جيد على عكس ما كان يُفعل في أمريكا الجنوبية.
لم يكن أحفاد القبيلة كثيرين بما يكفي لإدارة الإمبراطورية بدون أي مساعدة من الحكام الكبار، وللتعامل مع مثل هذه الحالات أنشأت الإنكا نظام الخدمة المدنية والذي يقوم على اختبار ذكاء الأولاد والبنات من قبل المسؤولين، فإذا فشلوا في الاختبار يتم تعليمهم حرفة واحدة، أما إذا نجحوا فيتم إرسالهم إلى كوزكو ليتعلموا ويصبحوا مديرين.
لغة الحضارة
كانت الكيتشوا هي اللغة الرسمية في الإنكا، وكانوا يتحدثون بأكثر من 700 لغة محلية، ويُشار إلى أنهم قد اعتمدوا على النقل الشفوي كوسيلة للحفاظ على ثقافتهم.
ديانة الحضارة
كانت ديانة الإنكا قائمة على الإيمان بوحدة الوجود كإله الشمس أو الأرض أو الذرة وغيرها، وقد سمح للمواطنين بعبادة آلهتهم التي كانوا يعبدها أجدادهم، وقد كان إله الشمس إنتي هي الديانة المشهورة في حضارة الإنكا وهو الإله الأكثر أهمية، وعلى نطاق ذلك فإن العائلات في الإنكا قد استمرت في عبادة آلهة أسلافهم.
تاريخ وأسباب سقوط الحضارة
استمرت حضارة الإنكا من عام 1200 وحتى 1533 ميلاديًا، وقد حدثت العديد من العوامل التي أدت إلى سقوط الحضارة وهي:
انتشار الأمراض: بدأت الإمبراطورية بالانهيار بعد أن وصل الإسبان إلى أمريكا، ونقلوا الأمراض إلى السكان المحليين من الجدري والإنفلونزا والتيفوس والدفتيريا وجدري الماء والحصبة، وقد انتشرت الأمراض بسرعة كبيرة جدًا، ولم يكن لدى الشعب مناعة لمحاربة المرض، ووفقًا لذلك فإن المرض أضعف الطبقة العاملة مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وشبكة الاتصالات التي كانت هي العمود الفقري لنجاح إمبراطورية الإنكا.
الحرب الأهلية: وقعت حرب أهلية بسبب وفاة الإمبراطور سابا إنكا وابنه نينان كويوتشي عام 1527 ميلاديًا بسبب الجدري، وقد كان ابنه وريث العرش، ولم يترك بعده أحدًا ليحكم الدولة، وبدأ هواسكار أحد أفراد العائلة حربًا أهلية استمرت لمدة 5 سنوات حتى عام 1532، وذلك لأنه اعتبر نفسه وريث الإمبراطورية، وقد أثبت أتاهوالبا أنه محارب أفضل منه وانتصر في الحرب، وقد وجد الإسبان أن الحرب الأهلية طويلة إلى جانب المرض فاستغلوا الوضع.
الغزو: بدأ غزو بيرو عام 1532 ميلاديًا عندما وصلت مجموعة بقيادة فرانسيسكو إلى مدينة كاخاماركا، والتي كانت مُسلحة بـ 110 رجل و67 خيّال، والتقى حاكم الإنكا أتاهوالبا في اليوم التالي بالقائد وقد اعتقد أنهم قد أتوا للتجمع السلمي وأنهم سيقدمون الولاء والاحترام للإمبراطور وأسلافه، ولكنهم قاموا بالسيطرة عليه وحبسه ثم إعدامه.