ما كل ما يتمناه المرء يدركه
المتنبِي كان يعرف سيف الدولة قَبل أن يلقاه، أو حتى يراه، فسمع عن أفضاله الكثير ، وامتدَت محاسنه إلى خارج حلب، وأبي العشائر هو ما قام بتعريف سيف الدولة بالمتنبي ، وذلك لان المتنبي عرض عليه أن يمدحه في شعره، فسيف الدولة رحب به، وقام بضمه إلى بلاطه.
فاصبح المتنبي من أخلص خلَصاء، ورفاق سيف الدولة، واندمج في العيش مع سيف الدولة، وكان يشاركه حروبه وغزواته، وكرس حياته للدفاع عنه ضد اعداؤه، وبذلك وصل المتنبي لمكانة رفيعة في بلاط الأمير، الامر الذي اغتاظ منه جلسائه، وكذلك حساده، وبذلك كَثر كارهوه .
ومنهم من حاول مثل الشاعر أبو فراس الحمداني ان يوقع بينهما، وبالفعل نجحوا في ذلك، فاقموا شقاقا بينه وبين سيف الدولة وكذلك جفوة خرج بعدها من جلساءه، حيث قام المتنبي بعمل مشاجرة تافهة في البلاط، فلم يقوم سيف الدولة بنصرته، فاعتبر هذا المتنبي إهانة له، وخزلان، فقام بمغادرته إلى مصر وهو كان غير متحمِس؛ وكان ذلك تلبية لأبي المسك كافور، ونزل عنده.
وهو في مصر، تذكر سيف الدولة الأمير الحمداني، الذي قضى معه وفي صحبته تسع سنوات 337- 346هـ، تعتبر زهرة عمـره.
فقام بكتابة قصيدته بم التعلل وذلك بعد ان سمع خبر نعيه في مجلس سيف الدولة الحمداني، فأثر ذلك في نفسه تأثرا بالغا شديدا، فكتب قصيدته النابضة بالحزن العميق والتي فيها بيت
مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْركُهُ * تَجْري الرّيَاحٌ بمَا لَا تَشْتَهي السَّفَنُ
وسيف الدولة كان يتقصى أخباره في مصر، ويتمنى عودته، حيث أنه لما بلغه البيت القائل من القصيدة ذاتها:
وإن بليت بودّ مثل ودّكم فإنني بفراق مثله قمن
بمعنى انه قادر على فراق جديد، ومعنى قمن هو خليق وجدير، فعندما سيف الدولة سمع هذا البيت قال: ” سار وحقُّ أبي..”، بمعنى انه اصبح مثل بين الناس .